الغراب المتهم
الحلقة 9
بقلم طارق اللبيب
قال له يا عماه .. حينما ذهبت الى هولاء اللصوص في صيعر لم يكونوا هم من الصياعرة .. ولكنهم بدو متفلتون وصيعر منهم براء .. في طريقي .. حدث كذا وكذا .. وقص له حكاية الجن بالتفصيل .. قال له واعطاني الملك شيئا شربته.. وقال انه سيكشف عني مايحجب عن عامة الناس.. من رؤية الجن .. فلما جئت هنا حدث ان رايت الغراب الذي كانت تراه سلمى .
فقاطعة يوسف التيمي . وقال له يا سعد لاتستخف بعقلي .. انت رجل صادق من طفولتك .. ماهذه الاكاذيب التي تحكيها لي .. هل تعتقد اني سأصدق هذه الخرافات؟.. انا سافرت عشرات المرات.. بطريقك هذا الذي سلكت .. فمارايت شيئا"
انت تختلق قصصا لتعذر نفسك عما فعلت .. فلو تصدقني القول لربما اعذرك .. فان العشق يابني مرض .. قد يجرك لاشياء لاتسطيع مقاومتها .. فاصدقني ولاتكذب ..
قال له ياعماه .. انا قلت لك دعني اكمل حديثي .. ولاتقاطعني .. ثم تكلم عني بعدها ماتشاء ..
قال له لقد مللت من هذه الاسطورة التي تحكيها .. واضعت وقتي ..
قال له اصبر علي حتي اكمل ..
قال اكمل ..
قال له ياعماه فلما رايت الغراب يدخل غرفة سلمى .. جئت احمل سيفي واصيح لاقطعنك .. فلما بلغت الباب .. لم ادخل فلما راتني اغمي عليها
وانا رجعت ولم ادخل عليها ..
ثم اتتني درة بطعام فسمعت صرخة اخرى .. ولكنها لم تلبث بها طويلا ..
قال له اذن لماذا لم تخبر الغراب بالكلمة التي قالها لك ملك الجن؟
قال له لقد طار عقلي في تلك اللحظة.. ولم اذكر شئيا من هول المفاجأة.. ومن انزعاجي بالصياح ..
ولكن والله لم ادخل عليها.. ولم ادقق حتي النظر اليها ..
وما اظن قولها اني دخلت عليها .. واخذت بثيابها.. الا ان الجني الملعون ..
تمثل لها بصورتي .. فضحك يوسف التيمي ساخرا"
وقال يابني لقد اهتزت ثقتي فيك .. ولم اصدق مما قلت كلمة واحدة ..
ومن اعاجيب كذبك واختلاقك.. انك تريدني ان اصدق خيالات ابنتي .. فلذلك لا اريد ان اكذب عليك .. وان وعدي معك نافذ .. فالفرس لك والسيف لك .. ولكن ابنتي لن تكون لك لامورثلاث :
اولا .. لانها ليست مكلفة لان تعطي فيك رايا ..
وثانيا هي غاضبة عليك وترفضك ..
وثالثا لان استعجلت امرك.. وكشفت ستري.. قبل ان اذن لك بذلك ..
وما جرى منك سأتجاوزه.. لاني لا املك البينات الكافية لادانتك .. وسافوض امري لله فهم الحكم العدل ..
اذهب راشدا الى ديارك .. فلا مقام لك بعد اليوم عندي ..
قال له سعد .. لا الومك على شي ..ولا اجبرك على التصديق .. وانت معذور في الغضب .. ولكني اطلب منك طلبا اخيرا .. هل لك ان تمهلني ثلاثة ايام ..
قال ماذا تريد فيها .. قال فقط ثلاثة ايام .. واكون شاكرا لك ..
قال له ولكن في هذه التلاتة ايام.. لاتريني وجهك .. فاني لا امن عليك سطوة غضبي ..
قال له ساقيم بالمسجد.. حتى تنقضي ايامي ثم ارحل .. فاذن له بذلك ..
كان المسجد لايبعد كثيرا عن المنزلين ..
وقد رابط سعد في المسج.. د وهو يراقب غرفة سلمي .. يمني نفسه
انه ان يرى ذلك الغراب فيخبره برسالة الملك عبدالجليل ..
ولكن مرت الايام الثلاثة .. ولم يرى شيئأ .. فنادى درة وقال لها هل رات سلمى شيئا؟ قالت له من ذلك اليوم ... لا..
ودع سعد الجميع .. وخص بالوداع ام الكرام.. التي بكت لفراقه .. وقالت له والله اني لاعلم انك برئ .. واسأل الله ان ينصفك .. قال لها يا اماه .. هل تزوديني في سفري زاد لثلاثة ايام بلياليها ..
قالت له لك ذلك بالبركة.. وزودته.. وقال لها بلغي عمي سلامي ووداعي ..
وذهب الى اين؟ .. ليس الى اهله.. انما لديار ملك الجن الصالح
عبدالجليل ..
فلما وصل التلة .. التي ينادي بها نادى باعلى صوته.. ايها الملك الصالح .. انا سعد بن ورقة .. ففتحت له الابواب ودخل ورحب به الملك .. وكل سكان المملكة الطيبة ..
فقال للملك جئتك يامولاي منكوبا مظلوما .. فقد حدث كذا وكذا ..
وان عمي الذي احسن في وعلمني وكان في مقام ابي .. غاضب علي .. وانا في كرب عظيم .. وحكى له كل شي ..
قال له الملك عبدالجليل هدئ من روعك.. ارتاح قليلا وامرك محلول باذن الله ..
اولا هل يوسف التيمي ينكر وجود الجن؟.. وهل هو لاوؤمن بكتاب الله.. الذي انزل سورة كاملة.. سماها باسمنا .. سماها سورة الجن ..
ام ينكر رؤية الجن ..
فان المسلم والكافر يرون الجن.. باذن الله ان ارد ربنا ..
اولم ير الكفار ابليس.. وهو من قبيلنا من الكفرة في غزوة بدر؟
فقد قال الله .. تعالى ... وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ..
اولم يعلم يوسف التيمي ان الصحابة رأو الجن؟؟ .. وان اباهريرة راي جنا ياخذ من تمر الصدقة .. والحديث فيه مشهور معروف ؟
قال له سعد والله يا مولاي ان يوسف التيمي .. رجل عالم .. فلا ادري لم لم يذكر هذا ..
قال يابني ..ان كان يوسف يريد ان يرانا سوف نريه ..
وسوف نبرئك باذن الله تعالى .. سوف يذهب معك ابنائي .. زياد وكعب الاكبر ..
وسوف اعطيك شربة تسقيها يوسف .. ليرى مثلك مايحصل لابنته وسوف يبرءك ويزوج اياها ..
قال له يامولاي .. انا لا استطيع ان اذهب الى ديار يوسف مرة اخرى .. فان كرامتي لاتسمح لي ان أطا ارضه او اتزوج بنته .. ولكني اثق فيك لتبرء ساحتي بما ترى ..
قال له الى اين ستذهب ياسعد ابن ورقة؟ .. قال سأذهب الى دياري .. فقد اشد شوقي الى امي وابي واخوتي .. واني جئت اليك ليس لاني اريد بنته للزواج ..
ولكن اريد ان استرجع سمعتي في قلب من رباني واحسن الي .. فان استطعت يامولاي ان تفعل شيئا .. فافعل .. فانت صديقي والصديق عند الضيق ..
قال له لا عليك يا صديقي .. اذهب الى اهلك واهنا بمعيتهم .. فوالله لا ازال بهم حتي اكشف لهم الحقيقة ..اما هذا الملعون المعتدي على الفتاة .. فعقابه عندي عسير ..
بات سعد بن ورقة مع الملك عبدالجليل في قصر الضيافة .. وفي الصباح اهداه الملك عصا تشبه الصولجان .. وكانت من الذهب الخالص .. وفرح سعد بالهدية فرحا عظيما .. وقال له الملك ان هذه العصا بها من الاسرار مايدهشك .. ولكن اذا عصيت الله فقدتها .. فاذا فقدتها فاكثر من الاستغفار.. ربما تعود اليك وربما لا ..
شكره وسافر الى اهله ..
ترك حبه وراء ظهره .. ولكن الحب في قلبه يدب كالمرض العضال .. لايستطيع ان ينسى تلك الفاتاة التي ادهشه جمالها .. وبالرغم من انها رمته بتهمة .. يندى لها الجبين
الا انه يعذرها في ذلك فهو يعلم انها معذورة ..
وطول الطريق مشغول فكره بها .. ويملأه الهم بالتهمة التي الزقت به .. ويحدوه الشوق الى اهله ..فقال....
يارب كن لي في المهالك منقذا ..
انت المجيب وانت رب المهتدي ..
انصفي ياربي وبرء ساحتي..
فلقد وصفت صبيحة" بالمفسد ..
تلك التي ارويتها بمحبتي ..
هدمت جداري واستحثت مرقدي..
فالله يشفيها ويسعد اهلها ..
فهي البريئة وهي نفس المعتدي..
..
لما وصل سعد بن ورقة.. الى داره في بني عجلان .. وهذه خمس سنوات .. وهو غائب عن الديار .. فاول ماقابل احد اخوته.. يقال له مرثد .. فعرفه .. وقال له يامرثد .. السلام عليكم ..
وقف مرثد وهو ينظر طويلا الى هذا الفتى .. الممتلئ بالشباب والقوة .. ووجهة يشع بالنور .. وفي نظرته نظرات الرجال ..
ويظهر عليه الصغر في العمر .. قال له عليكم السلام .. من انت؟
قال له انا اخوك سعد ..
فاندهش مرثد وسلم عليه بالأحضان
وقد بكى مرثد من الشوق ..
وذهبا الى الدار وكان مشهدا عظيما.. فيه كثير من البكاء والاشواق ..
فان اهل اليمن قوم يغلب عليهم طبع الرحمة والحنو (الحنان)
قلوبهم رقيقة .. وافئدتهم كافئدة الطير..
مع ماعندهم من الباس والقوة.. والشجاعة في الحروب ..
اما ابوه فكان يسلم عليه سلاما طويلا.. ثم يبعد قليلا وينظر اليه من اعلى الى اسفل .. ثم يسلم عليه مرة اخرى ..
واما الام فكانت تنظر الى ابنها.. وتذرف دموع الفرح ..
على كل كان يوم وصول سعد الى داره يوما مشهودا .. لايشبه الايام واقيمت له مأدبة (عزومة) .. جمع فيها ورقة اكابر القوم واعيان البلد
فجاءوا واستمعو لسعد .. الذي قرا عليهم القران من حفظه واسمعهم من علمه ومواعظه ..
فقال له احد الاعيان اسمه يزيد الصنعاني .. كنت قد سمعت انك ذهب لتعلم الفروسية.. فان بلادنا لاتحتاج الى كثير من الفقهاء
قال له ورقة نعم لقد تعلم ابني الفروسية .. ولو لم يكمل تعليمه فيها.. لما ارسله الينا يوسف التيمي ..
قال يزيد ان كان حقا ماتقول.. فاننا نطلب مبارزة بالسيوف بين ابنك وبين ضرار بن قويم .. وكان ضرار من امهر الناس بالسيف ..
فلا يكاد المبارز ان ياخد معه ثلاث انفاس ..
فقال ورقة لسعد ماتقول ياسعد؟
قال انا على استعداد يا ابي .. متى تكون المبارزة ؟..
قال يزيد الصنعاني اليوم .. والان.. في هذا المجمع الكبير .. وكان يزيد من اصحاب الحقد الدفين على ورقة.. يحسده في امواله وتجارته.. ويريد ان يذله بهزيمة ابنه امام القوم ..
والمعلوم ان سعد عمره 17 عاما .. وان ضرار بن قويم في الثلاثين ..فوافق ضرار ليحضر سيفه.. واجتمع القوم في حلقة ..
الى اللقاء..